بهجة أنوار العقول للإمام السالمي
د. سعيد بن سليمان الوائلي - كلية العلوم الشرعية -
إذا تصورنا أن لأحد من العمانيين من العلم والدور ما يبرز في صورة كتب ومؤلفات، فإن من الطبيعي أن نجد أكثرهم ظهورا وبروزا أولئك العلماء المنتجين في العلوم الشرعية، ويأتي في مقدمتها علم العقيدة الإسلامية، التي سعى العلماء لخدمتها وبيانها لطلابها بوسائل مختلفة من التأليف والكتابة، والشرح والتفسير، بالنظم والنثر، والعرض بصورة السؤال والنقاش، وغير ذلك.
ومن الكتب العمانية التي اهتمت بجانب العقيدة الإسلامية كتاب بهجة أنوار العقول للإمام السالمي، الذي يعد شرحا لمنظومة أنوار العقول في التوحيد وهي من النظم البديع في موضوعه، ونقف في هذه السطور على عرض لهذا الكتاب وصاحبه.
ومؤلف هذا الكتاب هو الإمام نور الدين، أبو محمد، عبد الله بن حميد بن سلوم بن عبيد بن خلفان بن خميس السالمي، من قبيلة السوالم الموجودة في أنحاء متفرقة من سلطنة عمان.
اشتهر الإمام السالمي بلقب نور الدين، وكان مولده ببلدة الحوقين من أعمال ولاية الرستاق بمنطقة الباطنة وفيها نشأ. وكان عظيم الهيبة لا ينطق أحد في مجلسه إلا أن يكون سائلا أو متعلما أو ذا حاجة جدية.
انتقل الإمام السالمي بين علماء الرستاق حتى نبغ في العلم، وصار ينافس شيوخه لسعة علمه وبعد نظره واطلاعه، وقد قال شيخه راشد بن سيف اللمكي: أخذت العلم عن الشيخ ماجد بن خميس فصرت أوسع منه علما، وأخذ عني العلم الشيخ عبد الله بن حميد فصار أوسع مني علما.
من أبرز مشايخه الذين أخذ عنهم العلم: الشيخ المحتسب صالح بن علي الحارثي، والشيخ راشد بن سعيد اللمكي، والشيخ ماجد بن خميس العبري.
ومن أبرز اهتمامات الشيخ وما يثبت له مكانة علمية الاهتمام بأمر إصلاح الأمة، وتدريس العلوم، وإفتاء الناس، والإنتاج العلمي من التأليف والكتابة في مجالات شتى، شملت العقيدة والفقه وأصوله، والحديث، وعلم اللغة العربية، والتأريخ، وغير ذلك.
وكان يجمع في كتاباته بين العقل والنقل ويلحظ الاتجاهات المختلفة في عصره، ويستمد من كتب الفرق المتعددة، وقد ساعد على ذلك إتقانه لأصول الفقه الذي تمزج فيه أقوال شتى المذاهب والاتجاهات.
فمن مؤلفاته: أنوار العقول وهي أرجوزة في علم الكلام في ثلاثمائة بيت، وبهجة الأنوار، شرح مختصر لأرجوزته أنوار العقول، (طبع بمطابع النهضة، سلطنة عمان1411ه -1991م)، ومشارق أنوار العقول، شرح مطول واف على أرجوزته أنوار العقول، (طبع بتحقيق عبد المنعم العاني، وتعليق سماحة الشيخ الخليلي، دار الحكمة، دمشق سوريا، 1416هـ/ 1995م) وطلعة الشمس، شرح منظومة شمس الأصول. طبع من قبل وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان سنة 1405هـ - 1985م.
وكانت وفاته بعد العتمة من ليلة الخامس من شهر ربيع الأول سنة (1332هـ) اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف للهجرة، وقد صلى عليه تلميذه أبو زيد عبدالله بن محمد بن رزيق الريامي، ودفن على سفح الجبل الأخضر ببلدة ( تنوف ) وقبره معروف حتى الآن.
وأما كتاب بهجة الأنوار شرح مختصر أنوار العقول في التوحيد، فإنه كتاب متخصص في موضوعه، يعرض فيه الإمام السالمي قضايا العقيدة ومسائل أصول الدين من موضوع ما يسع جهله وما لا يسع جهله، إلى ركن الجملة، والتوحيد، ومسائل الصفات، والوعد والوعيد، إلى الولاية والبراءة وأقسام المعاصي، وغيرها من القضايا.
ومن نصوص هذا الكتاب، أذكر لكم ما قاله الشيخ بقوله: (هذا برهان استحالة المشابهة له تعالى المذكورة في قول المصنف (ليس له شبه... الخ) وصورة البرهان أنه لو كان تعالى مشابها في ذاته لجاز عليه ما يجوز على مشابهه من الصفات، ولا موجود إلا وهو إما خالق أو مخلوق، وقد ثبت البرهان أنه تعالى هو الخالق وأن ما عداه مخلوق، فلو كان له مشابه لكان ذلك المشابه هو أحد مخلوقاته، فيستلزم أن يكون عز وجل يصح أن يتصف بصفات مخلوقاته، وصفات مخلوقاته مستحيلة في حقه، فالمشابه مستحيل أيضا).
وهذا جانب من وضع الدليل والبرهان في توحيد الله، وأنه ينزه تعالى عن الشبه والنظير.
وقال في موضع آخر من كتاب بهجة الأنوار ما نصه: (وقال جميع الأمة قويها وضعيفها وصغيرها وكبيرها: القدر خيره وشره من الله تعالى، وهو الخالق للخير والشر، والقاضي والمريد والمقدر، والمكون له في أوقاته التي يكون فيها، وهو مع هذا كله فعل العبد، والعبد فاعله، وهو له مريد مختار قاصد إليه، متحرك أو ساكن به غير مجبور عليه، ولا مضطر إليه).
في هذا النص من قضية الإيمان بالقضاء والقدر ينفي الإمام السالمي فكرة الجبرية ويرد رأي خلق الإنسان لأفعاله، ويبين بأن الخلق من الله تعالى فهو الخالق، وأن الفعل من العبد على وجه الاختيار والقصد.